الاثنين، 20 يناير 2014

مدينة دون سائقين




لقد دارت عجلة الاختراع خلال معرض الإلكترونيات الاستهلاكية في لاس فيغاس في الأسبوع الماضي لتقع على شيء غير متوقع ويعتبر من الطراز القديم، وهو المركبات. علما بأنه في العقود الأخيرة شهدت السيارات تحولا تدريجيا من أنواع الأنظمة الميكانيكية التي كان يتصورها هنري فورد لتصبح حواسيب على عجلات. إن هذا التحول يجلب معه موجة جديدة من التقدم الرقمي، وأولها السياقة الذاتية.

إن أول سيارات بقيادة ذاتيه تعود إلى أواخر القرن العشرين، ولكن الزيادة الأخيرة في التطور وانخفاض التكلفة -والذي ينعكس على سبيل المثال في أنظمة ليداير الرخيصة التي يمكن أن تُظهر الشارع بشكل ثلاثي الأبعاد ومما يشبه ما تراه العين البشرية- تعني أن السيارات من دون سائقين قد أصبحت أقرب للسوق مقارنة بأي وقت مضى.

وكما رأينا خلال المعرض، فإن عدة مصنعين يعملون تجاه دمج مثل هذه الأنظمة ضمن أسطول المركبات لديهم، ويتوقعون البدء بإنتاج سيارات فخمة بدرجات مختلفة من الاستقلال الذاتي سنة 2016، أي في وقت مبكر. وطبقا لتقرير صادر عن مؤسسة أي أتش أس فإنه "من الممكن في فترة ما بعد سنة 2050 أن تكون كل المركبات تقريبا الموجودة على الطريق مركبات ذاتية القيادة".

لكن ما الدافع الذي يحرك هذا التوجه للسيارات الذاتية القيادة؟ هل هناك فوائد ذات معنى أبعد من الراحة التي تنتج عن عدم الإمساك بعجلة القيادة، مما يعني إمكانية قراءة كتاب أو أخذ قيلولة أو إرسال رسالة نصيبة دون الشعور بالذنب؟

لقد انشغل الصحفيون خلال معرض الإلكترونيات الاستهلاكية بالتقاط الصور للسيارات دون سائقين وهي تشق طريقها في شوارع فيغاس، ولكن لو قاموا بتحريك كاميراتهم لكان بإمكانهم التقاط صور لشيء أكثر أهمية بكثير، وهو المسرح الذي سوف تقع فيه دراما القيادة الذاتية، أي الشارع نفسه.

إن المركبات التي تقود نفسها ذاتيا سوف يكون لها تأثير دراماتيكي على الحياة المدنية، لأنها سوف تجعل من الصعوبة بمكان التمييز بين وسائل النقل الخاصة والعامة، أي أن من الممكن أن تقلك سيارتك إلى عملك في الصباح وبعد ذلك وبدلا من التوقف في موقف السيارات تتحرك السيارة تلقائيا لتنقل شخص آخر من عائلتك أو أي شخص آخر في منطقتك أو أصدقائك في مواقع التواصل الاجتماعي أو في المدينة.

إن آخر تقرير لفريق النقل المستقبلي الذكي التابع لمعهد ماساشوستس التقني يظهر أن الطلب على النقل في مدينة مثل سنغافورة -والتي من الممكن أن تكون أول دولة تضم أسطولا من السيارات الذاتية القيادة التي يمكن أن يستخدمها العامة- ستتم تلبيته بما نسبته 30% من المركبات الموجودة حاليا. "


فوائد جمةكما أن الباحثين الآخرين في المجموعة نفسها يقولون إن هذا الرقم يمكن تخفيضه بنسبه إضافية مقدارها 40% لو كان المسافرون على المسارات نفسها وفي الوقت نفسه مستعدين لتقاسم السيارة نفسها، وهو تقدير مدعم بتحليل من شبكات تقاسم سيارات التاكسي في مدينة نيويورك. إن هذا يوحي بمدينة يمكن أن يتنقل فيها أي شخص عند الطلب باستخدام خُمس السيارات المستخدمة اليوم.

إن مثل هذا الانخفاض في أعداد السيارات سوف يقلل بشكل دراماتيكي من تكلفة البنية التحتية لقطاع النقل والطاقة المرتبطة ببنائها والمحافظة عليها. إن سيارات أقل يعني قضاء وقت أقل بالسفر وازدحام أقل وتأثير بيئي أقل.

إن نشر أنظمة نقل أكثر ذكاء يعني جني فوائد مماثلة. إن تخطيط البيانات المتعلقة بالوقت الحقيقي والتوجيه الذكي قد أصبح أمرا واقعا بالفعل، وستدفع المركبات المستقبلية الذاتية القيادة بموجة أخرى من الابتكار تمتد من الاستغلال الأمثل لسعة الطريق إلى إدارة تقاطعات الطرق. تخيل عالما دون إشارات مرور، بحيث تنساب المركبات بشكل سحري وهي تتجنب الاصطدام ببعضها بعضا.

ولكن بينما تتم مواجهة تحديات النقل بشكل متزايد باستخدام السيليكون بدلا من الإسفلت، فإن تشجيع تبني مثل هذه التقنية على نطاق واسع يتطلب أن تكون شوارعنا أكثر أمنا مقارنة بشوارعنا اليوم. إن هذا يتطلب أن تكون هناك وفرة في العناصر بحيث لو فشل عنصر ما أن يُصار إلى أن يحل عنصر آخر مكانه بشكل سلس.

إن الحوادث المرورية وإن كانت ستكون أكثر ندرة فإن من الممكن أن تحدث، وفي الواقع فإن هذا الأمر يمكن أن يكون أحد المعوقات التي تمنع تطبيق الأنظمة الذاتية، حيث يتطلب ذلك إعادة هيكلة التأمين والمسؤولية والتي يمكن أن تعمل على استدامة جيش من المحامين لسنوات عديدة قادمة.

وأخيرا، هناك مسألة جديدة تتعلق بالأمن الرقمي. نحن مطلعون على الفيروسات التي تعطل أجهزة الحواسيب لدينا، ولكن ماذا سوف يحصل لو تمكن الفيروس نفسه من تعطيل سياراتنا؟

إن جميع هذه القضايا عاجلة ولكنها لا تعتبر قضايا لا يمكن التغلب عليها، حيث يمكن حلها في السنوات القادمة عندما يعيد الاستقلال الذاتي تعريف كيفية التنقل، ويؤدي إلى جيل جديد من الابتكارات، في هذا المجال وفي تلك المرحلة فإن الرهان يمكن أن يكون على شيء أكثر قدما من السيارات، وهي المدينة نفسها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق